أكد د. فضل شحيمي ارتباط ظاهرة متابعة الأبراج بعلم النفس، كون الانسان بطبيعته يميل إلى حب معرفة ما يجهل، وخصوصاً فيما يتعلق بمستقبله. واعتبر أن الخطورة تكمن في أن اعتياد الناس على هذه الأمور قد يصل بهم
في زمان يكاد يطغى فيه حديث الأبراج عما سواه من أحاديث الدين والسياسة والاجتماع، استضاف تجمع “وعي” الشبابي الدكتور فضل شحيمي، طبيب الأمراض النفسية والعصبية، في محاضرة أقيمت عشية رأس السنة، تحت عنوان “الأبعاد النفسية والاجتماعية لظاهرة متابعة الأبراج”
الهوس بالأبراج مرض نفسي
في بداية حديثه، أكد د. فضل شحيمي ارتباط ظاهرة متابعة الأبراج بعلم النفس، كون الانسان بطبيعته يميل إلى حب معرفة ما يجهل، وخصوصاً فيما يتعلق بمستقبله. واعتبر أن الخطورة تكمن في أن اعتياد الناس على هذه الأمور قد يصل بهم إلى درجة الهوس، معتبراً أن حالة الهوس مشابهة للادمان الذي يتطور ويتفاقم يوماً بعد يوم.
ولفت د. شحيمي أن هناك اتجاه بين علماء النفس بات يصنف الهوس بالأبراج ضمن الأمراض النفسية، تماماً كحالة الادمان على الانترنت الذي بات يشخص ضمن أبرز أمراض العصر.
وأكمل أن المسألة قد تبدأ بمجرد الاستماع إلى التوقعات، التي تسجل تلقائياً في عقل اللاوعي للإنسان، الذي يعيش ردة فعل تلقائية تجاه ما سمعه.
وقال إن “الخطوة الأولى تبدأ بالاستماع ومن ثم متابعة الأبراج عبر الجريدة أو الاذاعة ليصل هؤلاء إلى مرحلة زيارة العرافين، حتى يبلغ مرحلة لا يقدم فيها على أي خطوة قبل استشارة العراف”.
واعتبر طبيب الأمراض النفسية والعصبية أن بعض المهوسين بالتنبؤات يعانون من احباط نفسي وقلق إذا لم تتحقق التوقعات. وأضاف بأن الهوس يقود إلى إحباط نفسي، وممكن أن يؤدي إلى اكتئاب، وأردف بأن البعض قد تقودهم هذه المشكلة إلى ما يُسمى بـ “الانفصال عن الواقع”، ما يعني أنهم يفترضون بأن كل شيء يجب أن يسير بحسب تنبؤات الأبراج.
كما أشار د. شحيمي أنا الاعتقاد بالأبراج، وبأن أفعال الانسان ومواصفاته تحددها حركة الكواكب والنجوم، من شأنه أن يلغي التلقائية والعفوية في التصرف.
القراءة الباردة :
“تملكين شخصية حساسة، ولكن اذا وقعتي في مشكلة قد تنفعلين بسرعة!… تفكر في مشروع ستقوم به في الـ 2020 ويشغل بالك كثيراً! ما هذه التوقعات العنيفة؟! والتي تنطبق على ما نسبته 90% من الناس؟؟!” تساءل د. شحيمي.
وأردف ” أي انسان بمقدوره أن يوهم الآخر أنه يعرف عن طباعه وشخصيته.. هذه المواصفات والتوقعات تحتاج من مطلقها إلى خبرة بسيطة وأسلوب فيه تشويق يمكّنه من جذب اهتمام من يستمع إليه، وهذا ما يفسر الكاريزما التي نجدها في كثير من المنجمين”.
وتحدث عن ما يُسمى بالقراءة الباردة (ColdReading)، التي يتقنها معظم المنجمين الذين يظهرون على شاشات الاعلام، وهي تعني “التحدث بجمل واسعة تجذب الآخر وتقنعه ” كعبارة: أنت انسان جداً متواضع، أو انت شخص لا يحب الخطأ.. هذه الصفات قد لا تنطبق على الشخص ولكنه مع ذلك يصدقها لأنها صفات محببة إلى قلبه”.
وأوضح بأن المضحك في الأمر أن لا أحد من متتبعي التنبؤات بحسب الأبراج يعمد إلى دراسة نسبة ما لا يتحقق منها. وذكر قصة حدثت منذ حوالي 40 او 50 عاماً، أي ما قبل اختراع آلة تحديد جنس الجنين، وهي قصة أحد الأطباء الأوروبيين الذي كان يوهم الناس بأنه قادر على تحديد جنس الجنين، ونجح هذا الطبيب في ايهام الناس لمدة 20 عاماً قبل أن يُكتشف خداعه، وقال بأن هذا الطبيب يستقبل الحوامل، فيعد لكل منهم تقرير طبيب كامل، وفيما وعندما يقول لإحداهن أنها حامل بولد، يدون بالمقابل في التقرير الطبي أنها حامل ببنت.
وأكمل د. شحيمي كانت النتيجة تقتصر على احتمالين: إما أن يكون المولود ولداً ويصيب الطبيب، وإما أن تكون أنثى وعندها ستراجع العائلة الطبيب الذي سيراجع بدوره ما دونه في تقريره الطبي ليوهمهم بانه مصيب وأن المشكلة في سَمَع هؤلاء!
الفراغ آفة الآفات :
واعتبر طبيب الأمراض النفسية والعصبية أن سبب لجوء الناس إلى المنجمين والعرافين نابع من خشية هؤلاء من فكرة الموت، مضيفاً بأن هذا الخوف أزلي، وأن أسهل طريقة ليتخلص الناس من هذا القلق هو أن يطلعوا على ما سينتظرهم في المستقبل، معتبراً أن في ذلك إلغاء للعقل والمنطق.
وقال: “البعض قد يسأل ما رأيك في الاستماع إلى الأبراج من باب الفضول لا أكثر؟ وأجيب هؤلاء لماذا علينا أن نضع نفسنا ضمن دائرة الخطر؟ ليس المطلوب أن نمتحن أنفسنا بوضعها ضمن هذه دائرة خطر الاصابة بالهوس.. لسنا في وارد اختبار الذات.”
واستشهد بذلك بآية وردت في القرآن الكريم “ولا تقربوا الزنا”، قائلاً: “لم يقل النص القرآني لا تزنوا! بل لا تضع نفسك أصلاً في وضع قد تلجأ فيه للحرام”.
وتساءل د. فضل شحيمي “هل يعقل أننا وصلنا إلى حالة لا يمكننا أن نفعل أي شيء إلا الاستماع للأبراج؟!”، معتبراً أن ذلك هو الفراغ بعينه وهو آفة الآفات. وفي الختام، استنكر د. فضل شحيمي الحالة التي وصل إليها الشباب، قائلاً: ” بدأنا نشعر كأن لا قدرة لنا على فعل أي شيء وأن لا حول لنا ولا قوة.. لا نملك القدرة على التغيير أو التعبير أو الصنع.. وصلت بنا عقليتنا الانهزامية بأنه ليس بمقدرونا فعل شيء سوى التسلية. وهل يعقل هذا؟!”، لافتاً إلى أن الحل مرتبط بالتخطيط والتنظيم وهذا ما يفتقد إليه شباب اليوم.