من أبيدجان إلى كينشاسا ومن كوناكري إلى داكار و الغابون وحتى بيروت! اذكر “لبنانيو أفريقيا” فتخاطر برؤية الابتسامات على وجوه محاوريك.
فهذه الجالية تلتصق فيها بعض الكليشيهات والصفات، ولعل أبرزها أن اللبنانيين الأفارقة أثرياء. الأكيد أن هذه الصفة ليست دقيقة، ففي حين أن عائلات رواد الأعمال الناجحين في القارة عديدة ومعروفة بشكل عام ، إلا أنهم لا يمثلون سوى 10٪ من بضع مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يعيشون في القارة السمراء.
مصدر هذه الثروة أيضًا يثير الكثير من الأوهام. فهناك من يقول إن هؤلاء الناس، على ما يبدو، “تجار مولودون” وهي صفة اخذوها من أسلافهم الفينيقيين! بالطبع لا، فالحقائق لا تؤكد هذا التأصيل المشكوك فيه بأي حال من الأحوال، فالعائلات اللبنانية القوية في القارة اليوم تعمل في أكثر القطاعات تنوعًا ، حتى لو ظلت “التجارة” لأسباب تاريخية إحدى أنشطتها الأساسية. وفي هذا الإطار يوضح وسيط يعرف المنطقة جيدًا أن أعضاء الجالية غالبًا ما يحتفظون بموطئ قدم في التجارة، ولكن معظم نشاطاتهم تتركز بالأحرى في الصناعات التحويلية كالأغذية الزراعية، ومستحضرات التجميل، والمواد الكيميائية، وغيرها الكثير.
لفهم نجاح « لبنانيو إفريقيا » ، قد يكون من الأفضل البحث في العلوم الإنسانية.
يذكر عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ميشيل بيرالدي “الرأسمالية المنبوذة” العزيزة على ماكس ويبر، وهي فكرة تنطبق غالبًا على اليهود في الشتات.
لكن من الواضح أن لكل جالية لبنانية في إفريقيا خصوصياتها.
أهميتها العددية لـ « لبنانيو إفريقيا » تختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر. ففي مالي أو بوركينا فاسو لا يوجد أكثر من 1000 “لبناني” ، سواء أكانوا من المجنسين أم من المقيمين. في المقابل هناك أكثر من 3000 في غينيا وحوالي 30.000 في السنغال، حيث نزل المهاجرون الأوائل في نهاية القرن التاسع عشر. ومن ابرز العائلات الكبيرة هناك جابر ، طراف ، فلفلي ، ليوس ، فارس ، سلام، هيدوس أو أميس. وهناك جالية كبيرة في ساحل العاج يقدر عددها بحوالي 100000 شخص. ومن ابرز العائلات القوية في مجال الاعمال هناك حجازي، أميس، درويش، خليل، فخري، بيضون، عز الدين وحجيج. في غضون عشرة أو عشرين عامًا، سيكون لدى نيجيريا، التي تجذب ديناميتها رواد الأعمال مثل المغناطيس، أكبر مجتمع من الجالية اللبنانية بلا شك.
في افريقيا تحاول بعض العائلات أن تكون متكتمة، اما البعض الآخر فيبدو أقل تكتماً.
وعادة ما يتم تسوية النزاعات التجارية المحتملة خارج المحكمة ، ولكن في بعض الأحيان – نادرًا – يمتد الصراع إلى الساحة السياسية.
ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا يبدوا أن عائلة تاج الدين تبحث عن التكتم فقد قامت ببناء برج المستقبل في واحدة من اهم مناطق وسط كينشاسا، في Boulevard du 30-Juin.
حتى لو اضطروا إلى ترك بلدهم في ظروف مأساوية في بعض الأحيان، فإن العديد من العائلات الأكثر ازدهارًا تحتفظ بعلاقات قوية جدًا مع بلدها الأصلي. ويمكن القول إنها سمة مشتركة في الشتات اللبناني بأكمله إذ يوجد أكثر من 12 مليون شخص استقروا بشكل رئيسي في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأستراليا. وبحسب خبراء بنك بيبلوس، فإن هؤلاء المغتربين أعادوا إلى لبنان 7.1 مليار دولار ، أو 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، في عام 2017.